الكاتب : مفكرة الاسلام
لقطات طبيعية:
اللقطة الأولى: الشهر الأول من الزواج كانت تهتم بأناقتها ونظافتها ورائحتها وجمالها.
اللقطة الثانية: بعد مرور شهور لا تتعدى العام نسيت أنها زوجة وأنها أنثى، فانشغلت بالأطفال وإعداد البيت والطعام، ونسيت أن تضع زوجها في جدول أعمالها، فقال لها الزوج يومًا: (هكذا حال المرأة بعد الزواج تظن أن زوجها سيقبل بالأمر الواقع).
في المراحل الأولى من الزواج يكون الاهتمام بالآخر هو السائد، ولكن للأسف مع مرور الزمن تتحول هذه المشاعر الجميلة لدى أكثر الأزواج، وتصبح العملية الجنسية مجردة من العلاقة الحسية (ملامسة الأيدي، والتقبيل والمعانقة، ...إلخ)، وهذا غير سليم، إذ ليس بالضرورة أن يكون التواصل الحسي هو الهدف المؤدي إلى الجنس، بل لا بد أن يبقى شعورًا جميلًا يفيض على النفس متعة لا مثيل لها.
إن تمام اللذة والمتعة الزوجية في هذا اللقاء لا تكون حتى يأخذ كل عضو حظه من اللذة.. النظر.. اللمس..السمع... الشم..التذوق.
ولله در ابن القيم رحمه الله حين وصف ذلك بقوله:
(..فإن صادف ذلك وجهًا حسنًا، وخلقًا دمثًا، وعشقًا وافرًا، ورغبة تامة، واحتسابًا للثواب، فذلك اللذة التي لا يعدلها شيء ولا سيما إذا وافقت كمالها، فإنها لا تكمل حتى يأخذ كل جزء من البدن بقسطه من اللذة، فتلتذ العين بالنظر إلى المحبوب، والأذن بسماع كلامه، والأنف بشم رائحته، والفم بتقبيله، واليد بلمسه، وتعتكف كل جارحة على ما تطلبه من لذاتها وتقابله من المحبوب فإن فُقد من ذلك شيء لم تزل النفس متطلعة إليه متقاضية له، فلا تسكن كل السكون).
إن الكائن البشري يسبح بين خمس مناطق مركزية، يتبادل معها الجاذبية والتأثير والتأثر، ولا بد لكل من شريكي الحياة أن يتقن فن التعامل مع تلك المناطق الخمس، حتى يمكنه اختراق الحواجز، والتغلغل إلى قلب الآخر.
والحواس هي بريد المشاعر، فإذا كانت تلك الحواس تعبر تعبيرًا صادقًا ومقنعًا، عن روعة المحتوى وجماله، فمما لا شك فيه أنها مقدمة السعادة والألفة ومن ثم المحبة والتفاعل الوجداني، وعلى العكس من ذلك إذا كانت الحواس هي بريد السوء وكراهة المنظر والرائحة السيئة والأصوات النشاز فهذا سيولد النفرة لا محالة، التي ستولد الكراهية وعدم الحب، فالحواس لها تأثير كبير على النفوس وإقبالها وإدبارها.
وتعالي معي أختي المسلمة لنكتشف أسرار الحواس وأثرها على العلاقة بين الزوجين.
أولًا ـ البصر:
((انظر إليها))، هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة عندما خطب امرأة ولم ينظر إليها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((انظر إليها؛ فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)) [صححه الألباني]، أي أجدر أن يدوم الوفاق بينكما، هذا قبل الزواج فما بالك بعد الزواج.
فـ (العين رائد القلب وعن طريقها تبدأ روح الرجل في الانجذاب نحو المرأة والمرأة نحو الرجل، وعن طريقها يحصل الاشمئزاز والنفرة أيضًا.
وقد قال أحد حكماء الرجال: تزين المرأة وتطيبها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما وعدم الكراهة والنفرة، لأن العين ـ ومثلها الأنف ـ رائد القلب فإذا استحسنت منظرًا أوصله إلى القلب فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظرًا بشعًا أو ما لا يعجبه من زي أو لباس تلقيه إلى القلب، فتحصل الكراهية والنفرة).
وأكدت الأم الحكيمة لابنتها المقبلة على الزواج على أهمية التعهد لمواقع عينيه، وقالت لها: (فلا تقع عينه منك على قبيح).
واهتمام المرأة بما يقع عليه عينا زوجها لا يقتصر فقط على شكلها ومنظرها، بل أيضا بالجو المحيط بها، البيت بصفة عامة وحجرة النوم بصفة خاصة).
وجمال المنظر غير مرتبط بالتكاليف والرفاهية بل هو بالذوق والإحساس، وأهم شيء نؤكد عليه في حجرة النوم هو النظافة والنظام.
واعلمي أختي الزوجة أن (مفتاح قلب الرجل عيناه فكل حركة أو زينة أو ملابس خاصة للمرأة على باب غرفة النوم تترجمها عيناه إلى دعوة إلى فتح القلب).
(فالواجب على الزوجة أن ترتدي من الملابس ما ينشأ عنه تزيين الجسم، وجعله مرموقًا جذابًا، ومثيرًا في ذات الوقت فإن من صفات المرأة الصالحة أنها تسرك حين تنظر إليها، وقد كان النبي r يبعث عند عودته بالجيش من يخبر أهل المدينة حتى تمتشط الشعثاء وتستحد المغيبة).
أختي الزوجة، الرجال (كائنات تتبع بصرها) بمعنى أنهم يُثارون بما يُشاهدونه مباشرة، فحاولي اكتشاف نمط اللباس الخاص بك، والذي يعجبه وارتديه أمامه, ولا يعني ذلك أن ترتدي أغلى الثياب، وإنما يعني أن تمنحي زوجك مما لديك ما يمكن أن يكون نظره إليه مثيرًا للشوق والرغبة.
وقد تقول زوجة: هل لا يوجد في الحياة إلا التزين للرجل وهي سنترك أعمالنا وتربية أولادنا لكي نتزين؟!
ونحن نقول: إن الزينة والتأنق شيء، وحسن المظهر والنظافة شيء آخر، فالواقعية تقتضي أن يرى الرجل امرأته دائمًا نظيفة, ويرى البيت من حوله منظمًا هادئًا، وإن كان في أوقات أخرى يرى بيته قمة في الجمال وزوجته قمة في الأناقة والإثارة، تحببه إليها وتحفظ بصره عن كل حرام خارج منزله.
ثانيًا ـ الشم:
هذه القصة عاصرتها بنفسي:
بعد سنوات انتظار لتحقيق حلم الزواج، أخيرًا تزوجا بحمد الله وبعد شهرين تم الطلاق!!
وسُئل الزوج: لماذا طلقت زوجتك؟! فقال: لم أتحمل رائحة فمها!!
إن الرائحة الطيبة الجميلة الذكية مفتاح من مفاتيح العلاقة الزوجية والعكس، وهي بلا شك من أسس العلاقة الزوجية الناجحة.
فالشم حاسة بالغة الأهمية وقد تصبح وسيلة لتقارب الزوجين، وفي أحيان أخرى قد تصبح سببًا في النفور والتباعد ومن ثم فإن الزوجة المسلمة تعتني برائحتها وتحسن منها باستخدام أنواع العطور المختلفة، بلا إفراط أو تفريط.
إن الشم من (أوسع الأبواب إلى قلوب الرجال، وأشد ما يثيرهم عاطفيًا، يقول عمر بن الخطاب t: (إنما قلوب الرجال عند أنوفهم)، فالرائحة الذكية تأخذ بمجامع القلوب، وتعمل عملها كأبلغ ما يكون في نفوس الرجال، ولذلك نُهيت المرأة عن الخروج متطيبة في مجامع الرجال الأجانب لما يمكن أن تحدثه من الفتنة، لذا قال النبي r: ((أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت فيوجد ريحها فهي زانية)) [صححه الألباني].
ولقد ثبت عن رسول الله r التوصية بالسواك لطهارة الفم وقطع الرائحة القبيحة، وأما طهارة البدن فقد بلغ الأمر عند الرسول r بضرورة الطهارة والنقاء حتى أنه يأمر النساء بتطهير وتطييب موضع خروج الدماء الطبيعية ويشرح كيفية ذلك ويبينه بنفسه، مما يدل على أهمية هذا الجانب وضرورته للزوجين).
فلا تظني أختي الزوجة (أن أنف الرجل لا تشم إلا الوجه، فإن أنفه قد يصل إلى أي مكان في جسم المرأة، ونفهم ذلك من حديث الرسول r عندما أمر المرأة بعدما اغتسلت من المحيض أن تأخذ قرصة ممسكة ـ أي قطعة قطن مبللة بالمسك ـ وهو أجود أنواع الطيب ثم تتبع به أثر الدم، وما أحسب النبي r أوصى بهذا إلا تحسبًا لأن تصل أنف الزوج إلى هذا الموضع).
والمتأمل في عمق الحديث وروحه سيفهم الكثير من اهتمام الشرع بالرائحة الطيبة، وارتباط طهارة المحل بالرائحة الطيبة.
(لذا على الزوجة المسلمة أن تنتبه إلى أنف زوجها، وانظري إلى هذه المرأة الصالحة وهي تنصح ابنتها ليلة زفافها:
فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشمن منك إلا أطيب ريح، واعلمي أن الماء أطيب الطيب الموجود والكحل أحسن الحسن المفقود).
وقد دلت أحدث الأبحاث على أن الشم ذو أثر محوري في العلاقة الجنسية بين الزوجين، فالرائحة الطيبة تقوي الجاذبية الأنثوية، (فالروائح النسوية الرقيقة الحالمة تعمق الأنوثة الشفافة ومشاعرها المتلألئة تنسجم مع وداعة المرأة ورقتها... وتتفق مع أريجها الفواح الذكي الذي يجذب الزوج ويثير فيه أحلى الآمال الرقيقة، والأحلام الساحرة الأنيقة والحيوية الدافقة...).
أختي الزوجة المسلمة:
(هناك ارتباط وثيق بين الرائحة والذاكرة فالإنسان كما يتذكر المواقف والصور والكلمات يتذكر أيضًا الرائحة، وهي من الروابط التي تربط الإنسان بالخبرات والمواقف، فالرائحة الجميلة من الروابط التي توحي بذكريات وعبق وسعادة ومتعة تكون مخزونة في أعماق النفس، وتفوح الذكريات مع الروائح عبر الزمن.
وقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالروائح فكان يحرص على السواك لتطييب رائحة الفم، وكان يحب الطيب، والطيب من الأشياء التي حُببت إليه صلى الله عليه وسلم في هذه الدنيا فقال صلى الله عليه وسلم: ((حُبب إلى من دنياكم الطيب والنساء، وجُعلت قرة عيني في الصلاة)) [صححه الألباني].
والأنف تعشق وتعجب أحيانًا قبل العين، وكم من رجل قد يتجاوز عن بعض جمال المرأة إذا عوضته بالنظافة والرائحة الجميلة.
وهناك بعض المواضع المهمة التي يجب أن تكون الرائحة فيها جيدة، منها رائحة الفم، وخصوصًا في لحظات القرب وقبل الجماع، ويمكن لقرص من النعناع أن يجدد رائحة الفم تحسبًا لأي ميل من الزوج أو الزوجة.
ولا شك أن موالاة تنظيف الأسنان بعد الوجبات وقبل الصلوات وعند الاستيقاظ وقبل النوم وفقًا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كفيلة بحل هذه المشكلة أثناء النهار.
ومن الأمور الهامة أيضًا الاهتمام برائحة الجسم، والاغتسال بشكل منتظم خاصة في الصيف لإزالة رائحة العرق، وكذلك إزالة الشعر من تحت الإبطين وشعر العانة من سنن الفطرة، وكذلك الاهتمام برائحة الفراش والوسائد وغرفة النوم.
وماذا بعد الكلام:
1- تذكري أن الحواس بريد المشاعر، وابدأي بحاسة البصر، فالعين رائد القلب فلا تقع عينه فيك على قبيح.
2- تفقدي موضع عين زوجك في منظرك ولبسك وشعرك، هذا فيما يتعلق بالشكل وأيضًا تفقدي موضع عين زوجك في الجو المحيط به في البيت بصفة عامة وحجرة النوم بصفة خاصة.
3- اهتمي برائحة جسمك فلا يشمن منك إلا أطيب ريح، استخدمي أنواع العطور المختلفة لا إفراط أو تفريط.
4- بعد انتهاء الحيض استخدمي قرصة ممسكة، أي قطعة قطن بها مسك وتتبعي بها أثر الدم.
5- هناك ارتباط وثيق بين الرائحة والذاكرة فاجعلي دائمًا هناك روابط جميلة الرائحة بالبيت وبغرفة النوم وبك أنتِ أختي الزوجية، روابط لها عبقها الخاص لدى الزوج.
6- اهتمي برائحة الفم باستخدام السواك، أو قرص نعناع وخصوصًا في لحظات القرب، وموالاة تنظيف الأسنان من بقايا الطعام.
7- اهتمي برائحة الجسم، والاغتسال بشكل منتظم خاصة في الصيف لإزالة رائحة العرق، فإن الماء أطيب الطيب الموجود.
8- اهتمي بإزالة الشعر من تحت الإبط وشعر العانة فهذا من سنن الفطرة.
9- اهتمي برائحة الفراش والوسائد وغرفة النوم.
المصادر:
روضة المحبين، ابن القيم.
فن العلاقات الزوجية، محمد الخشت.
أوراق الورد وأشواكه، د. أكرم رضا.
حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري.
أخلاق الفتاة الزوجية، د. عدنان حسن باحارث.
إبهاج الأزواج، د. توكل محمد مسعود.
الزواج المثالي، فان دفلد.
0 التعليقات:
إرسال تعليق