روائع مدينة الاحلام

الاثنين، 17 نوفمبر 2014

التصنيف:

صوّب صلاتك

د. ديمة طارق طهبوب -                                 


"صوّب صلاتك" هو مطلع قصيدة للشاعر جاسم الصحيح يطلق فيها مفهوما متقدما لدور الصلاة في الحياة التي تبدأ بزاوية ضيقة لمكان سجود الجبهة لتحتضن العالم كله؛ بل الدنيا و الاخرة لتصل بصاحبها إلى قرب العرش حيث فُرضت الصلاة لأول مرة.
"صوّب صلاتك" مفهوم يحمل معاني كثيرة، و أول ما يتبادر إلى الذهن مفهوم التصويب و التحسين و الإجادة و الإقامة و هو على حسنه عمل فردي، يقوم به المرء لوحده بمحاولة زيادة الخشوع و تقليل الذنوب ،و لم شعث القلب و التفكر في المعاني.
و لكن الصلاة بمركزها المحوري في الإسلام لها أكبر من هذه الخصوصية و العلاقة الفردية بين الرب و العبد، الحكمة من مشروعيتها كانت مرتبطة بكرامة الله لهذه الأمة أن جعل لها الأرض، الأرض كلها، مسجدا و طهورا بالمعنى الحقيقي و المجازي الذي يعني وصول رسالة الإسلام و الصلاة إلى العالم كله، فالصلاة مبان و معان، و مشاعر و أعمال، فرض شعائري لإقامة حياة كاملة، و لذلك كان التنبيه الدائم بأن من لم ينته عن الفحشاء و المنكر لا صلاة له! و أين تكون هذه الفواحش و المنكرات؟! إنها لا تكون في الصلاة ؛ و إنما في الحياة.  
و الناظر في سيرة المصطفى و صحابته يعرف مدى الإصابة و الفهم الصائب الذي حققوه في حياتهم للصلاة؛ فكانت الصلاة حاضرة كل الخطوب،  في كل المواقف الجليلة؛ لتشكل المدد و الغوث و تجمع التوفيق و الرعاية الإلهية للجهد البشري، فكانت سنة ركعتي الفتح و بمقابلها صلاة الخوف، صلاة الاستسقاء، صلاة الكسوف و غيرها و هي صلوات موجهة بأسماء فريدة؛ لتربية الأمة على معان و ممارسات خاصة تلعب الصلاة دورا في توجيهها و نجاحها .
صوّب صلاتك و يغدو للصلاة معنى مختلف عندما يعم الفساد في الدنيا، و تشوه صورة المسلمين؛ فينتفي معنى العزلة و الاعتكاف ليحل محله بالوجوب فرضية التواجد و التأثير و السفارة و تمثيل الدين بأبهى صوره بفروسية في النهار في كل الميادين لمن يظهر على ملامحهم تبتل الليل و قيامه.
صوّب صلاتك؛ و يغدو للصلاة معنى مختلف و دماء المسلمين تراق كالماء و المسلمون يكتفون بزيادة الركعات و الدعاء دون أن يخلطوها بقطران الحركة و العمل و الجهاد بحدوده الدنيا و القصوى بحسب ظروف المكان و الزمان.
صوّب صلاتك و كأن الصلاة سهم في كنانة الإسلام؛ متى فهمتها، و أتقنتها، و أقمتها أصبحت قوة صائبة مسددة تبني الأمة، و تضرب أعداءها في مقتل، فها هو الصحابي الذي كان على ثغر من ثغور الإسلام و رماه الأعداء بالنبال و هو يصلي فتحملها، و لم يقطع حتى أحس بخطورة اقترابهم، فقطع صلاته! صلى لله و قطع لله فكانت الصلاة و قطعها قوة و نصرا في ميزان الإسلام.
صوّب صلاتك و كيف تصيبها و بصرك موجه للقبلة في المسجد الحرام، و قبلتك الأولى محتلة مدنسة و أنت لا تفعل شيئا لتحريرها و لو بأضعف الإيمان؟ فهل فقهت ما تتلو في صلاتك من مكانة المسجد الأقصى وهو أخو المسجد الحرام و النبوي؟ و هل تتجزأ القدسية و الحرمة؟
صوّب صلاتك و كانت الصلاة هي تريراق الحياة للفاروق عمر؛ فلما كانوا يريدون أن يوقظوه من سكرات الموت و غشي الحمى بعد أن طعنه المجوسي كانوا يقولون له أقيمت الصلاة يا أمير المؤمنين ؛ فينتفض قائما حتى و هو يموت على سنة حبيبه الذي قال له ربه قم، فظل قائما بمعنى الصلاة، و هي عامود يقوم عليها الإسلام، فكان آخر كلامه قبل أن يطلب الرفيق الأعلى: مروا أبا بكر فليصل في الناس، أنفذوا بعث جيش أسامة؛ و كأنه يوجه أنظارنا إلى ثنائية من ثنائيات النصر و بناء الأمة، فالصلاة قوة و حياة، و انطلاق و فتوحات.
صوّب صلاتك، و ليس من بأس أن نظل نتعلم كيف نقيم الصلاة حياة بعد أن أقمناها عبادة؛ فبذلك فقط تكون في ميزان أعمالنا صائبة متقبلة، يجبر أجر العمل بالصلاة وزر التقصير في شيء من واجباتها.

موقع/الاسلام اليوم



0 التعليقات:

إرسال تعليق