فتح المسلمون الاندلس في ايام الدولة الاموية في اواخر القرن الاول الهجري واستطاع المسلمون ان يقدموا فيها للتاريخ صفحات زاهرة من العلم والمعرفة الحضارة الانسانية الراقية في كل المجالات حتى اصبحت مهوى الافئدة من مختلف انحاء اروبا ذلك العصر لطلب العلم
في اواخر القرن الرابع الهجري انهارت الخلافة الامويه في الاندلس لتظهر دول الطوائف التي كانت سبباً في سقوط الاندلس في الاسبان الذين كانوا يتربصون بها بسبب الفرقة والحروب التي حلت بين ملوك الطوائف واستطاع اعدائهم الانقضاض عليهم واحدا تلوا الاخر حتى حصروهم في مملكة غرناطة وجعلوا يضيقون عليها الخناق حتى اضطر ملكها ابوعبد الله محمد الي مغادرتها فدخلها الاسبان عام 897هـ - 1492م
وقد رثاه الامام العلامة ابن حزم بابيات من الشعر تفوق الوصف وقد قال قبل القصيدة هذه الكلمات العجيبة والمعاني التي تستحق التامل طويلاً فالتاريخ مدرسة لا تنهتي فوائدها وعبرها لمن كان له قلب واستفاد من الدروس
الي المقدمة التي كتبها الامام ابن حزم عندما زار الاطلال وبعده القصيدة:
وقفت على أطلال منازلنا بحومة بلاط مغيث من الأرباض الغريبة، ومنازل البرابر
المستباحة عند معاودة قرطبة. فرأيتها قد محت رسومها، وطمست أعلامها، وخفيت معاهدها، وغيرها البلى؛ وآكاماً مشوهة بعد الحسن، وخرائب مفزعة بعد الأمن، ومآوي للذئاب، وملاعب للجان، ومغاني للغيلان، ومكامن للوحوش، ومخابئ للصوص، بعد غنيانها برجال كالسيوف، وفرسان كالليوث، تفيض لديهم النعم الفاشية، وتغص منهم بكثرة القطين الحاشية، وتكنس في مقاصيرهم ظباء الإنس الفاتنة، تحت زبرج من غضارة الدنيا تذكر نعيم الآخرة، حال الدهر عليهم بعد طول النضرة فبدد شملهم حتى صاروا في البلاد أيادي سبا، تنطق عنهم الموعظة،
فكان تلك المحاريب المنمقة، والمقاصير المرشقة، التي كانت في تلك الديار كبروق السماء إشراقاً وبهجة، يقيد حسنها الأبصار، ويجلي منظرها الهموم، كأن لم تغن بالأمس، ولا حلتها سادة الإنس، قد عبث بها الخراب، وعمها الهذم، فأصبحت أوحش من أفواه السباع فاغرة، تؤذن بفناء الدنيا، وتريك عواقب أهلها، وتخبرك عما يصير إليه كل ما قد بقي ماثلاً فيها، وتزهدك فيها.وكررت النظر، ورددت البصر، وكدت استطار حزناً عليها، وتذكرت أيام نشأتي فيها،
وصبابة لداتي بها؛ مع كواعب غيد، إلى مثلهن يصبو الحليم؛ ومثلت لنفسي انطواءهن
بالفناء، وكونهن تحت الثرى إثر تقطع جمعنا بالتفرق والجلاء في الآفاق النائية، والنواحي البعيدة، وصدقت نفسي عن فناء تلك النصبة، وانصداع تلك البيضة، بعد ما عهدته من حسنها ونضارتها وزبرجها وغضارتها، ونضوته بفراقها من الحال الحسنة، والمرتبة الرفيعة، التي رفلت في حللها ناشئاً فيها، وأرعيت سمعي صوت الصدى
والبوم زاقياً بها، بعد حركات تلك الجماعة المنصدعة بعرصاتها، التي كان ليلها تبعاً لنهارها، في انتشارها بسكانها، والتقاء عمارها، فعاد نهارها تبعاً لليلها في الهدو والاستيحاش، والخفوت والإخفاش.
فأبكى ذلك عيني على جمودها، وقرع كبدي على صلابتها، وهاج بلابلي على تكاثرها،
وحركني للقول على نبو طبعي؛
فقلت: [من الطويل]
سلام على دار رحلنا وغودرت ... خلاء من الأهلين موحشة قفرا
تراها كان لم تغن بالأمس بلقعاً ... ولا عمرت من أهلها قبلنا دهرا
فيا دار لم يقفرك منا اختيارنا ... ولو أننا نستطيع كنت لنا قبرا
ولكن أقداراً من الله أنفذت ... تدمرنا طوعاً لما حل أو قهرا
ويا خير دار قد تركت حميدة ... سقتك الغوادي ما اجل وما أسرى
ويا مجتلى تلك البساتين حفها ... رياض قوارير غدت بعدنا غبرا
ويا دهر بلغ ساكنها تحيتي ... ولو سكنوا المروين أو جاوزوا النهرا
فصبرا لسطو الدهر فيهم وحكمه ... وإن كان طعم الصبر مستثقلا مراً
لئن كان أظمانا فقد طال ما سقى ... وإن ساءنا فيها فقد طال ما سرا
وأيتها الدار الحبيبة لا يرم ... ربوعك جون المزن يهمي بها القطرا
كأنك لم يسكنك غيد أوانس ... وصيد رجال أشبهوا الأنجم الزهرا
تفانوا وبادوا واستمرت نواهم ... لمثلهم أسكبت مقلتي العبرى
سنصبر بعد اليسر للعسر طاعة ... لعل جميل الصبر يعقبنا يسرا
وإني ولو عادت وعدنا لعهدها ... فكيف من أهلها سكن القبرا
ويا دهرنا فيها متى أنت عائد ... فنحمد منك العود إن عدت والكرا
فيا رب يوم في ذراها وليلة ... وصلنا هناك الشمس باللهو والبدرا
فوا جسمي المضنى وواقلبي المغرى ... ووانفسي الثكلى وواكبدي الحرى
ويا هم ما أعدى، ويا شجو ما أبرا ... ويا وجد ما أشجى، ويا بين ما أفرا
ويا دهر لا تبعد، ويا عهد لا تحل ... ويا دمع لا تجمد، ويا سقم لا تبرا
سأندب ذاك العهد ما قامت الخضرا... على الناس سقفاً واستقلت بنا الغبرا
0 التعليقات:
إرسال تعليق