إن الثواب يشجع النفس الإنسانية على مواصلة العمل على حد السواء بالنسبة للطفل الصغير وبالنسبة للشاب وبالنسبة للرجل الكبير، لذلك كان الثواب عمودًا مهمًا من أعمدة التربية، فالمربي ينبغي أن يثيب المتربي على أقواله وأفعاله تصرفاته المحمودة، والثواب قد يكون ماديًا وقد يكون معنويًا، وقد يجمع بين الاثنين.
لكن مع وصول الصبي إلى هذه المرحلة من عمره ـ سن التمييز ـ ينبغي أن يتم ربط الثواب برضا الله عز وجل ومحبته وثنائه، حتى لا يكون الثواب مجرد مكافأة مادية.
قال الغزالي رحمه الله: (مهما ظهر من الصبي خلق جميل وفعل محمود فينبغي أن يكرم عليه، ويجازى عليه بما يفرح به، ويمدح بين أظهر الناس) [إحياء علوم الدين: (3/73)].
وهنا ينتبه إلى أنه (لا ينبغي أن يتحول الثواب إلى نوع من الشرط على الفعل، بحيث إذا لم يعط الصبي لم يفعل، فإن الثواب يظل قائمًا بدوره التربوي ما كان ثوابًا، فإذا تحول إلى شرط أو إملاء من الصبي، بحيث لا يمكن للمربي أن يحمل الصبي على العمل إلا بهذه الطريقة، فقد الثواب قيمته التربوية وأتى بالضد منها، فعلى المربي أن يلحظ ذلك في ثوابه على الأفعال والأقوال) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف، (92)].
العقاب في سن التمييز:
إن الطفل مع دخوله المدرسة وبداية منافسته العلمية مع أقرانه في المرحلة التعليمية، يبدأ الوالدان يضعان في كثير من الأحيان مؤشرًا على مدى نجاح التربية ألا وهو الدرجات التي يحصلها الطفل في مدرسته، وللأسف الكثير يجعل هذا هو المؤشر الأهم والأكبر وأحيانًا الوحيد على مدى نجاح التربية.. من دون النظر في انعكاس التربية على تصرفاته وسلوكياته، ومن ثم يكون العقاب متعلقًا فقط بدرجات الطفل في المدرسة.
أسباب العقوبة
في مرحلة سن التمييز يبدأ الوالدان ـ كما بينا ـ بإنزال العقوبة على الطفل لتدني درجاته في التحصيل العلمي، والعكس صحيح، فيثيبون الطفل على درجاته المرتفعة حتى وإن كان مقصرًا في جوانب تربوية أخرى مهمة ومؤثرة (فبينما نجد أن الأبوين أو المربي يغضب غضبًا شديدًا على الصبي بسبب تدني درجاته العلمية، وربما عاقبه عقابًا شديدًا، في الوقت الذي لا يكاد يحدثه فيه عن المحافظة على الصلاة في مواعيدها، أو الصدق في الحديث، أو العطف على المسكين، أو السلوك الحسن مع زملائه، بما يعظم في نفس الصبي الحرص على التفوق العلمي، أكثر من الحرص على أداء فرائض الدين والأخلاق الحسنة، بل ربما يبلغ المربي أن الولد قد)غش في الاختبار، فلا يكاد ينهاه عن ذلك ما دام قد حقق في الاختبار درجات عالية، وقد يصحو الصبي في بعض الأيام متأخرًا فيكون هم الوالدين أن يجهزاه سريعًا للخروج إلأى المدرسة من غير أن يصلي الصبح، مع العلم أن الصواب أن يصلي أولًا وإن تأخر عن المدرسة، خاصة إذا كان قد بلغ سنه العشر سنوات، ويتحول التعليم بذلك إلى غاية بدل أن يكون وسيلة لتنشئة الإنسان على ما يحبه الله تعالى ويرضاه) [نحو تربية إسلامية راشدة، محمد بن شاكر الشريف، (93)].
ومن ناحية أخرى فإن ضعف التحصيل الشخصي، لا يجعلنا نسارع في إنزال العقوية على الطفل، بل يجب ابتداء أن يتعرف المربي على السبب الأساسي في تدني درجات الطفل، وهل ناتج عن إهمال وكسل، أم ناتج عن قدرات الطفل، والأمران يختلفان، فالعقوبة لن تجدي نفعًا مع ضعف قدرات الطفل، والأجدى هنا أن نبحث عن كيفية استغلال طاقاته الاستغلال الأمثل، لا أن نطلب منه ما يتعذر تحقيقه.
العقل أولًا
في هذه المرحلة العمرية للطفل تبدأ ملكات عقله في التكون، ومن ثم وجب على المربي أن يحرص أولًا على مخاطبة عقل الطفل قبل مخاطبة بدنه بالضرب، بل يحرص على إفهامه وإقناعه، فهذا مقدم على الضرب والتهديد، فإن العقاب البدني في هذه المرحلة خاصة في الحقبة الأخيرة منها ربما أورث نوعًا من العناد والتمرد الذي يحدث بعده انفلات كامل مع الأسف الشديد.
سنة التدرج:
العقوبة ليست هي المرحلة الأولى لتقويم الطفل، بل هناك مراحل ينبغي على المربي أن يكون قد مر بها في محاولة تقويم الصبي، يقول الإمام الغزالي: (فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه، ولا يهتك ستره، ولا يكاشفه، ولا يظهر له أنه يتصور أن يتجاسر أحد على مثله، ولا سيما إذا ستره الصبي واجتهد في إخفائه، فإن أظهر ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة، فعند ذلك إن عاد ثانيا أن يعاتب سرا، ويعظم الأمر فيه، ويقال له: "إياك أن تعود بعد ذلك لمثل هذا، وأن يطلع عليك في مثل هذا، فتفتضح بين الناس"، ولا تكثر القول عليه بالعتاب في كل حين؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة وركوب القبائح، ويسقط وقع الكلام من قلبه. وليكن الأب حافظًا هيئة الكلام معه، فلا يوبخه إلا أحيانًا، والأم تخوفه بالأب وتزجره عن القبائح) [إحياء علوم الدين، (3/73)].
0 التعليقات:
إرسال تعليق