روائع مدينة الاحلام

الجمعة، 23 يناير 2015

التصنيف:

هذا هو الحب الذي يدمر الأبناء !!



د/جاسم المطوع ____

(ومن الحب ما قتل) قيلت لشاب قتل نفسه بسبب حبه لعشيقته التي لم يتمكن من الوصول إليها ، ولم يكن في ذهن الشاعر وهو الأصمعي أن جرعة الحب 
التي نعطيها لأبنائنا أثناء تربيتهم إذا زادت عن حدها المعقول فإنها تقتلهم وتدمرهم أيضا ، فقد دخلت علي امرأة تشتكي من عناد زوجها وتسلطه وكثرة عصبيته وصراخه خاصة إذا لم يستجاب لأمره ، فلما بحثت في الأسباب عرفت أنه وحيد أمه من الذكور،  وكان لا يرد له طلبا عندما كان طفلا ، فكان حبها الزائد له دمر شخصيته وأخلاقه 
ولو أنها عرفت كيف توازن بين (الحب) و (الحزم) لما كانت عشرته الآن جحيما ، وقد يظن كثير من الآباء والأمهات أن الحزم يناقض الحب ، والصواب فإن الحزم من الحب ، فإذا كانت ال (حب) كلمة من حرفين ، فإن ال (حزم) كلمة من ثلاثة حروف ، وكأن الحرف الثالث يقول لنا لا بد من زيادة جرعة الحزم علي الحب أثناء التربية ، وقد جمعت في هذا المقال ستة أنواع من الحب المدمر التي عشتها شخصيا ، لكثير من القصص والحالات التي تعرض عليه وهي علي النحو التالي : 

1- الخوف الدائم :
إن شدة الخوف علي الأبناء حتي يصل الخوف لدرجة الوسواس يدمر شخصيتهم ويمحوها من الوجود ، ويتحول الطفل إلي آلة تمشي بالبطارية ، لأنه تم الغاء عقله ووعيه بسبب شدة خوف أمه أو أبيه عليه ، سواء كان الخوف من الظلام أو الحشرات أو الأصدقاء أو الحي أو التكنولوجيا أو أي مصدر آخر  

2- الإستجابة لرأيه :
يخاف كثير من الآباء والأمهات الضغط علي أبنائهم عندما يكون الأمر لمصلحتهم ، مثل الإشتراك بنادي رياضي أو حضور حلقة تحفيظ للقرآن أو غيرها ، ويستجيبون لأبنهم إذا رفض الحضور والمشاركة بحجة الخوف علي نفسيته وصحته ، فيتحول الطفل إلي أن يكون هو المربي لوالديه وهو المدير لهما ، فيقودهم حيث يشاء ويشتهي ، فيتحول لشخصية مغرورة متكبرة لا يسمع لأحد ولا يأخذ رأي أحد ولو كان والديه
  
3- اللباس والتغذية :

كثير من الآباء والأمهات يستمرون في اختيار اللباس لأبنائهم إلي عمر متقدم ، وبعضهم يعتقد أنه كلما وفر الطعام لطفله كلما عبر عن حبه أكثر ، فتجده دائما يعلف ابنه وكأنه الطفل خلق ليأكل فقط ، وفي الحالتين فإننا نخرج طفلا ضعيف الشخصية لا يحسن اتخاذ القرار حتي في ملابسه ، ولا يحسن التعبير عن حاجاته لأننا نوفر له الطعام دائما وهذه من السلوكيات التي تدمر شخصيتهم

4- التدليل الزائد :
من المبادرات الخاطئة وإن كان الدافع حبا كثرة الإغداق علي الطفل بالهدايا والعطايا ، وحل الواجبات المدرسية نيابة عنه ، وسرعة التصرف لعلاج المشاكل التي تواجهه بالحياة ، فإن هذه السلوكيات توجد في الطفل أربع صفات : الأولي يكون طماعا ، والثانية أنانيا ، والثالثة لا يتحمل المسؤولية ، والرابعة دائما يريد أن يحصل علي ما يريد من غير بذل جهد أو تعب 

5- حبسه بالبيت :
الخوف أحيانا يقود الأمهات والآباء لحبس أبنائهم في البيت بين أربعة جدران ، فلا يلعب مع أحد في الخارج ، وإذا طلب الإشتراك بنادي رياضي أو اسطبل خيل أو سباحة أو مراكز علمية أو ثقافية يمنع بحجة أنهم يخافون عليه من التأثر بالآخرين ، وهذا من الخوف المدمر لشخصية الطفل 

6- تعويض التقصير :
في كثير من الحالات مرت علي بدافع التعويض عن التقصير الذي يشعر به بعض الآباء والأمهات بسبب ظرف العمل أو الطلاق أو الغياب عن البيت وكثرة السفر ، فإن الوالدين يكون لديهم ردة فعل قوية بدافع الحب فيعوضان تقصيرهم بالإستجابة لكل طلبات الأبناء مما يسبب افسادهم تربويا  

فقد عرضنا ستة حالات للحب المدمر وعكسها هو الإهمال المدمر للأبناء وتفويض الآخرين بالتربية ، فالخوف علي الأبناء مطلوب ولكن لا بد أن يكون متزنا ويرافقه الحزم ، وقد ذكر الخوف في القرآن 124 مرة ، وله سبعة معان مفصلة في كتاب الله تعالي ، ولكن ما يهمنا هنا (الخوف التربوي) والذي يؤدي لضعف شخصية الأبناء ، ولهذا عندما تحدث القرآن عن خوف الأمهات تجاه أبنائهم ، أوصاهم الله تعالي بضبط مشاعر الخوف إذا كان التنفيذ لأمر الله تعالي ، وضرب الله لنا مثلا في قصة أم موسي عندما قال تعالي (وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ، ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) فنلاحظ هنا كلمة (الخوف) وردت مرتين ، الأولي (فإذا خفت عليه) ، والثانية (فلا تخافي) ، ففي الأولي يثبت الله أن مشاعر الخوف أمر طبيعي من الوالدين تجاه الأبناء ، وفي الثانية يعلمنا الله كيف ندير مشاعرنا ومخاوفنا لنحسن تربية أبنائنا حتي لا يكون الخوف مدمرا لهم ، والمنطق يقول أن أم موسي إذا خافت علي طفلها الرضيع فإنها تضعه بمكان آمن علي الأرض أو عند أحدي العوائل لكي تخفيه ، ولكن الغريب في الأمر أن الله أمرها بأن تقذفه في مكان لا يتصور أحد أنه سينجوا منه وهو البحر حتي يعطينا الله درسا في تربية الأبناء بأننا كلما أتبعنا أوامر الله في تربية أبنائنا كلما حفظ الله الأبناء كما حفظ موسي عليه السلام من الغرق عندما كان رضيعا وحفظه من الغرق مرة أخري عندما كبر وتبعه فرعون وجنوده



0 التعليقات:

إرسال تعليق