روائع مدينة الاحلام

الأحد، 16 نوفمبر 2014

التصنيف:

الغيرة بين الأبناء.. متى ولماذا


للكاتبة:كوثر خليل _

تحدث الغيرة عندما يمتزج الغضب والخوف وحب التملك ، وعندما يشعر الطفل باغتصاب فرد آخر لما يعتبره حقاً لنفسه يصبح طفلاً غيوراً، فالغيرة عند الأطفال ليست - كما يعتقد البعض – مرضاً، بل هي ألم داخلي ومعاناة نتيجة منافسة حقيقية بغية الفوز والسيطرة.
ويرتبط الشعور بالغيرة بنمو المشاعر والعلاقات ، فالطفل يبني علاقته الحقيقية الأولى مع الأم، وهذا الإحساس "بتملك" الأم هو الذي يظهر شعور الغيرة لديه.

فالغيرة هي أحاسيس أنسانية خلقها الله فوجودها طبيعي عند الطفل فالقليل منها يشكل دافعا ً نحو تطور المنافسة لكن الكثير منها يفسد الحياه فعندما نرى سلوكا عدوانيا عند أبنائنا - عندها – يجب أن نعلم أنه من الأثار الناجمة عن الغيرة بين الأطفال ولابد معرفة أسبابها وعلاجها فورا ً

فلكل إبن من الأبناء شخصية فريدة به ، ومختلفة عن الآخرين إختلاف بصمات اليد الواحدة ، وهذا الاختلاف في طباع وشخصية الأبناء هو من أهم جوانب التشابه بينهم ، وعلى الآباء إدراك ذلك وإحترامه .
فالتفرد يعني أن سلوك كل إبن وطباعه ورغباته مختلفة عن الآخرين ، وبالتالي يختلف التعامل مع كل واحد فيجب ألا نقارن بين أبنائنا ولا نسمح للآخرين بعقد هذه المقارنات إن أمكن .. ولا ولا نشجع أبنائنا على أن يقارنوا أنفسهم بالآخرين .

ومن الأثار التي تترتب على غيرة الطفل هو إظهار عدم السعادة بشكل عام نتيجة شعوره بأنه فقد الحب والحنان الذي كان يحظى به من والديه وقد تتحول هذه المشاعر إلى سلوك عدواني إما نحو الطفل الصغير الذي يعتبره منافسا ً له بعد أن إستولى على عرشه في حضن أمه أو متوجها نحو الوالدين أو الممتلكات الشخصية بمحاولة إتلافها وتخريبها ، إضافة إلى التقلب المزاجي وعم الرضا بالهبات التي قد تقدم له من المحيطين مهما كانت غالية الثمن كمحاولة منهم عن تعويضه بما فقده من حنان وأن قبلها فأن ذلك يكون وقتيا وسرعان ما يتذكر  الهبة الكبرى التي فقدها وهي " حضن أمه " الدافئ .

فعلى الأباء إستثمار ظاهرة الغيرة إيجابيا إذا شعرنا بوجودها بين أبنائنا كإيصال الطفل الكبير لمراحل متقدمة من النضج بأن نغرس في نفسه قيم النضج العقلي مثل أن نعتمد عليه في رعاية أخيه الصغير وإقناعه بأنه سيكون قدوته الذي يتعلم منه ويمكن تكليف الكبير ببعض الواجبات منها مراقبة أخيه الصغير حتى يشعر بأنه لازال محبوبا وموضع إهتمام والديه .
أيضا يمكن إستثمار الغيرة بين الأطفال كتوليد المنافسة الأيجابية للوصول إلى الأفضل على أن لاتصل المنافسة لمستوى الصراع ودون مقارنة الأبناء بعضهم ببعض وإحترام قدراتهم جميعا .

فالأضطرابات السلوكية لدى الأبناء يمكن أن نرجعها لبعض الأسباب : منها تفضيل الذكر على الأنثى في مجتمعنا ولذلك نسبة الغيرة في البنات أكثر منها في البنين، وعند الأذكياء أكثر منها عند قليلي الذكاء ، وبين الأطفال الذين لا يوجد فارق في السن بينهم.

 فالتمييز في المعاملة بين البنت وأخيها لكونه ذكرا ً وبالتالي هو مفضل من قبل والده والآخرين  حيث يعاقبون البنت على أي سلوك مزعج تقوم به وبالمقابل لايعاقبون أخاها على أي شئ يفعله إضافة إلى الهدايا والكلام اللطيف غالبا مايكون من نصيبه مما يسبب الحزن لها مع اظهار مشاعر كراهية لأخيها ولكل من يهتم به .

إن الأباء والمعلمين يلعبون دورا ً رئيسيا ً في تشكيل الغيرة لدى الأطفال من خلال الأهتمام الذي يظهرونة لأحد الأولاد دون سواه فقد يخلق ذلك في نفوس باقي الأولاد عقدة الغيرة أو عقدة التنافس المرضي فبعض ألآباء أو المدرسين يظنون أن التنافس ظاهرة صحية ويسعون لزرعها في الأولاد وذلك من خلال تشجيع أحد الأولاد دون غيره لتميزه في شيئ ما . إلا أن ذلك ينمي الضغينة والبغضاء في نفوس الأولاد وخاصة إذا كان عن طريق عقاب الآخرين وتركه يفعل مايشاء فذلك يولد عقدة التنافس التي تحول بعد ذلك إلى الحق المتبادل .
فالمقارنات التي يجريها الكبار بين الأطفال الذين يعانون من صعوبات ما مع غيرهم من الأطفال الناجحين فغالبا ماتخلق في نفوس الأطفال عدم الثقة بالنفس وأيضا ينشا  شعور بالنقص مع عدم إمكانية التغلب عليه كنقص الجَمال أو القدرة الجسمية أو الثياب و الممتلكات من الألعاب

أن الخوف من فقدان محبة والدَيهم أو أحدهما سبب رئيس في الغيرة بين الأخوة، ومن المنطقي أن يحاول الطفل الغيور- بصورة لا شعورية غالباً- إزالة منافسه بالأعتداء عليه، أو بالأستهزاء منه، بمحاولة تحقيره، بالمنافسات،أو بالمشاجرات، أو بالأحقاد أحياناً، وأحياناً أخرى بتفريغ غيرته بصورة رمزية بالانقضاض على لعبة، أو أي شيء يخص منافسه، فيضربها بقسوة، أو يدوسها ويحطمها أو يرسم منافسه "أخاه" بصورة غير جميلة. وقد يكبِت الطفل الميولَ العدوانية نتيجة تأثير والدَيه، و يسبب هذا الكبت تأثيرا ً نفسيا ً حسب شدته ومدى استمراره.

فالأبناء تزداد لديهم مشاعر النقص بسبب مايلجا إليه الكبار بإستمرار من أساليب اللوم أو الأستهزاء وغالبا مايتوهم الأباء بأنهم يستحثون الأطفال إلى الأفضل لكنهم لايدركون الدلالة التربوية والنفسية حيث أنها تولد في نفوسهم تاثيرا ً عكسيا ً .

وللتغلب على هذه المشكلة يجب أن نكون على علم بالداء لأنه نصف الدواء كما يقول الحكماء
فمعرفة أسباب الغيرة تنفعنا كثيرا ً في العلاج حين نتوقى العوامل المسببة للمرض.. إضافة الى أن أهم علاج للغيرة يتركز في إشباع حاجتهم للحب والحنان مع الاهتمام بوجودهم وهي نفس الأسباب التي تدفعهم للعناد وعدم طاعة الوالدين .. فالغيرة والعناد قرينان حين يوجد أحدهما تجد الآخر .. وهي نتاج للعناد .. ففي بادئ الأمر يكون الطفل معاندا ً لأسباب مرّت معنا .. فإذا لم يتم علاجه ، يتفاقم الأمر عليه ويصاب بمرض الغيرة فلا ينسى الوالدان أن يسمّعاه كلمات الحب والاطراء والتقدير والمديح والاهتمام بوجوده

فالأم لابدّ لها من  إشعار الطفل بأنّه كبير وإنّ اهتمامها بالصغير لعجزه وعدم مقدرته إضافة إلى إعطائه جملة من الامتيازات لأنّه كبير .. فلا يصح الاهتمام بالوليد دون أن يحصل هو على إمتيازات الكبار.. ولا بدّ من الحرص على إعطائه بعض الاشياء لأنّه كبير، مثل أن تخصه بقطعة من الحلوى مع القول له : هذه لك لأنّك كبير، ولا تعطيها لأخيك لأنّه صغير .. وهذه اللعبة الجميلة لك لأنّك كبير، أمّا هذه الصغيرة فهي للصغير .. وكذلك يجب الحذر من إعطائه لعبة بعنوان انّها هدية له من أخيه الوليد .. لأنّ هذا التصرّف يوحي له بالعجز عن تقديم هدية لأخيه مثلما فعل الاصغر منه .. وتزيد غيرته منه ة.

أيضا لابدّ أن تمنع الأم بحزم محاولة الطفل الكبير إيذاء أخيه الصغير بأن يرفع يده ليهوى بها عليه .. بأن تمسكي يديه أو الحاجة التي يحملها لضربه .. ومع ذلك إمسكيه واحضنيه بعطف واحمليه بعيداً عن أخيه .. لأنّ الطفل بالحقيقة لا يريد إيذاء أخيه، ولكن سوء تعامل الوالدين وإهتمامهم بالرضيع دونه دفعه إلى هذا الفعل .. لذا ينبغي على الام أن تمنع الاذى وتقبل مشاعره الغاضبة عنده لأنه لا يملك القدرة على التحكم بها .

ويجدر بالوالدين عدم التدخل في الخلافات بين الابناء ... مادام التدخل لا فائدة مرجوّة منه بسبب الغيرة التي هي وقود النزاع بين الأخوة والتي تحتاج إلى علاج كما أسلفنا.. هذا إن كانت الخلافات لا تتعدى الإيذاء الشديد بأن يكسر أحدهما يد الآخر .. أو يكون أحدهما ضعيفا ًً يتعرض للضرب الشديد دون مقاومة... إنّ الأفضل في مثل هذه الحالة إيقاف النزاع .. ولو إن عدم تدخل الوالدين تنهي الخلاف بشكل أسرع ، ولكن لعل نفاد صبر الوالدين يجعلهم يتدخلون في النزاع ، وهنا يجدر بهم ان لا يستمعوا الى أي أحد من أطراف النزاع .. ولا الوقوف مع المظلوم أو العطف عليه.. لأنّ الاستماع وإبداء الرأي وإبراز العواطف لأحد دون آخر يزيد في الغيرة التي تدفعهم إلى العراك .. كما يجدر بالوالدين عدم إجبار طفلهم الذي إنفرد باللعب أن يشارك إخوته الذين يريدون اللعب معه أو بلعبته .. إنّ إجباره يولّد حالة الشجار فيما بينهم .

فيجب أن نعود الأبناء على تقبل مدح الأخرين لهم أو مدح الدرس لأحد الطلبة دون بقيتهم ويجب أن يعلموا أيضا أن يبحثوا عن أسباب المدح ليوجدوها في أنفسهم دون أن يتضايقوا او تنبت مشاعر غيرة عدائية عندهم وهذا لن يكون إلا بالتدريب على التعامل مع هذه المشاعر داخل نطاق الأسرة .

ونصيحة للأم بأن يبقى حضنها الدافئ الحنون الذي لايخذل الطفل مهما كبر ويكون هو ملاذه الأول والأخير .

المصدر موقع المربي



0 التعليقات:

إرسال تعليق