و ضع البرتغاليون مخططا صليبيا خطيرا للغاية يتمثل في دخولهم البحر الأحمر و في استيلائهم على جدة ثم الزحف منها على مكة المكرمة لهدم الكعبة الشريفة ثم مواصلة الزحف منها على المدينة المنورة لنبش قبر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ، و مواصلة الزحف بعد ذلك إلى تبوك وصولا إلى بيت المقدس حيث المسجد الأقصى وقبة الصخرة .
واستعان البرتغاليون في حملاتهم باليهود الذين استخدموا كجواسيس ، وقد ساعدهم في ذلك معرفتهم باللغة العربية، وعلى سبيل المثال فقد ارسل ملك البرتغال يوحنا الثاني خادمه الخاص ومعه رفيق آخر يهودي الى مصر والهند والحبشة وكان من نتائج رحلتها تقديمها تقرير يتضمن بعض الخرائط العربية عن المحيط الهندي.
وذكر ابن اياس إنه في زمن الشريف بركات قد ارتاب في ثلاثة أشخاص تسللوا إلى مكة المكرمة وكانوا يحومون حول المسجد الحرام متظاهرين بأنهم مسلمون، و يرتدون زي العثمانيين، و يتكلمون العربية والتركية. فأمر بالقبض عليهم. وبالكشف على أجسامهم اتضح أنهم مسيحيون لأنهم كانوا بغير ختان. وباستجوابهم اتضح أنهم جواسيس برتغاليون بعثت بهم سلطات لشبونة ليعملوا أدلاء للجيش البرتغالي الصليبي عند دخوله مكة "و قد وضعوهم في الحديد و بعث بهم إلى السلطان الغوري" . و قد وقع هذا الحادث في عام 1510.
و كان السلطان الغوري قبل زوال دولة المماليك الشراكسة قد خاض صراعاً حربيا عنيفاً ضد البرتغاليين، و خرج أسطول المماليك من البحر الأحمر إلى الهند لضرب البرتغاليين. و لكن باءت بالفشل، لأن المعارك كانت تدور فوق سطح الماء. وكان الأسطول البرتغالي أكثر قوة وتسليحاً وتدريباً ، وبحارته أكثر خبرة وكفاية في فنون البحرية الحربية من بحارة الأسطول المملوكي.
و كان البرتغاليون بعد وصولهم إلى الهند قد نقلوا جزءاً من نشاطهم الحربي إلى منطقة الخليج العربي وبحر العرب واستولوا على مسقط وهرمز و البحرين وقلهات على ساحل عمان ، و قربات ، و صحار ، وحور و غيرها وجزيرة سقطرى وضربوا ساحل عمان . و على الرغم في أنهم فشلوا في احتلال عدن، نجحوا في دخول البحر الأحمر. و بعد أن ضربوا بعض الجزر القريبة من مدخله الجنوبي وبعض ثغوره اتجهوا عام 1517م لاحتلال جدة. وكانت دولة المماليك الشراكسة قد لفظت أنفاسها الأخيرة. و باءت بالفشل محاولة البرتغاليين. ثم قاموا بهجوم ثان عليها عام 1520م و لكنهم فشلوا أيضا. وحاول السلطان سليمان المشرع ضرب البرتغاليين بإرسال حملة كبرى عام 1538م ، و قد نجحت هذه الحملة في الاستيلاء على عدن، و فشلت في ضرب البرتغاليين في الهند. ورد البرتغاليين على الدولة العثمانية بحملة بحرية كبرى دخلت البحر الأحمر واتجهت إلى ميناء السويس، وهي مقر القاعدة العثمانية البحرية. ولكنها ولت مدبرة على أعقابها بعد أن تبين لها أن الأسطول العثماني في حالة تأهب.
وقررت الدولة العثمانية وضع خطة جديدة لحماية الولايات العربية الخاضعة لها ، و تتمثل هذه الخطة في اتخاذ عدن- وهي البوابة الكبرى للبحر الأحمر - خط دفاع وقاعدة عسكرية لضرب المراكز البرتغالية في شرق الجزيرة العربية و للسيطرة على البحر الأحمر، وزيادة نشاط الترسانة البحرية في السويس في بناء سفن حربية جديدة وعديدة. تنفيذا لهذا المخطط العكسري قررت الدولة ، كإجراء أمن داخلي وخارجي، إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن البرتغالية، ثم عممت هذا المبدأ على جميع السفن المسيحية. فكان لا يسمح لها بالإبحار بالبحر الأحمر فيما وراء ثغر المخا جنوبي ثغر الحديدة في اليمن، فتفرغ شحناتها ويعاد شحن حمولاتها على سفن إسلامية تجوب أنحاء البحر الأحمر و تتردد على ثغوره وموانئه. و كانت ذريعة الدولة العثمانية في هذا المنع هي أن أهم الأماكن المقدسة الإسلامية في العالم على الإطلاق تقع في الحجاز. و يطل ساحل هذا الإقليم على البحر الأحمر. و تأسيساً على هذه الحقيقة يجب ألا تبحر فيه إلا السفن الإسلامية وظلت الدولة حريصة على تطبيق هذا المبدأ حتى القرن الثامن عشر.
المصدر: صفحة ارشيف الدولة العثمانية
المصدر: صفحة ارشيف الدولة العثمانية
0 التعليقات:
إرسال تعليق