للكاتب/ محمد عبدالله العويد --
هناك تلازم أغلبي بين ارتكاب المعصية – وبالذات الكبيرة - وبين الضعف في فعل الطاعة ، وكلما ازداد ارتكاب المعصية ازداد ترك الطاعة ، ويكون السبيل للتغيير – شرعاً - مشتملاً على هذين الأمرين لأن التوبة تعني فعل الطاعة وترك المعصية ، لكن لو تأملنا في حال العاصي؛ لوجدنا أنه لم يتعمد ابتداءً ترك الطاعة ، لكنه تركها عندما أغرق في المعصية ، وهذا التأمل يجعلنا نكتشف أنه ربما يكون الحل تماماً كتركه للطاعة ، فيكون فعله للطاعة حافزاً لترك المعصية .
والسؤال المهم : لماذا هذا الحل ؟
والجواب عنه أن من يريد التوبة ربما يكون متشبثاً بالمعصية وتركه لها صعب؛ فيستصعب الحل إذا كان شرطاً للتوبة لكن إذا كان من ضمن الحلول فعل الطاعة للتغلب على ارتكاب المعصية فحينئذ يكون سبيل التوبة سهلا عليه .
ولذا فنحن نجد كثيراً ممن استقاموا ، كانت استقامتهم بسبب فعلهم للطاعات ، ولم يكن ترك المعصية سبباً رئيساً كفعلهم للطاعات.
وينبغي التنبه إلى أننا هنا لا ندعو إلى تهميش المعصية وارتكابها ولكننا نعيش ظرفاً في إقناع العاصي بترك معاصيه عن طريق السبيل التي تصلح له وتؤثر فيه .
ولهذه الطريقة فوائد :
أولاً : أن هذه الطريقة تكون نتائجها أوقع لأن النفوس جبلت على الضعف أمام المغريات والمعاصي ، فلو كان السبيل الوحيد للتوبة ترك المعاصي مرة واحدة لكان في هذا صعوبة أن يطبق هذا المفهوم ، بسبب ضعف الإيمان .
ثانياً : أن هذه الطريقة ليست دعوة للمعصية لأن الشخص في أصله عاصٍ .
ثالثاً : أن فيها تحقيقاً لنصف التوبة وهو الإقبال على الطاعة ، وتحقيق النصف أولى من عدم تحقيق شيء .
وقد يتساءل شخص ما عن شرعية هذه الطريقة ، وذلك لأن التوبة تعني الانخلاع من المعاصي والتجرد بالطاعة لله تعالى ، وهذا الكلام وإن كان صحيحاً إلا أن مفهوم التوبة بهذا الاعتبار يعني المحصلة من التوبة بينما الاعتبار الأشمل لها ، يعني الرجوع إلى الله بفعل الطاعة وترك المعصية ، والتوبة متلازمة مع فعل الطاعة كتلازمها مع ترك المعصية بمعنى أن المغفرة من فعل المعاصي من نواتج الطاعات كما هي من نواتج ترك المعاصي ، ومن الأدلة التي تثبت هذا المفهوم وتوضحه :
1- قوله تعالى :
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت : 45] .
فالصلاة طاعة ، بل هي أعظمها ، ومع ذلك هي طريق صحيح لترك المعاصي .
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " متفق عليه . فالحج طاعة ومع ذلك فهي سبيل لمغفرة الذنوب .
3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . متفق عليه . ورمضان بهذا الاعتبار سبب لمغفرة الذنوب .
وهذه العبادات الثلاث العظيمة الصلاة والحج والصيام كلها طريق للتوبة ، ولا نبالغ إذا قلنا إن كل طاعة يفعلها العاصي هي طريق مؤدٍّ إلى ترك المعصية ، وهذا من فضل الله الواسع
محمد بن عبد الله العويد
المشرف العام على ملتقى الداعيات
0 التعليقات:
إرسال تعليق